التعصب المسكوب في أقداح الناس

اثير السادة  


التعصب الرياضي لا ينتهي بحفلة عشاء ولا جلسة تطييب خواطر، لأن جسد الرياضة عموما يتغدى على هذه المشاعر الفائضة من الحب والكره، حب الانتصار وكره الهزيمة، حب فريق وكره آخر، وإذا انزاحت المشاعر يوما عن اعتدالها وتحولت إلى صورة من صور العنف، اللفظي أو المادي، فهي الدليل على كثافة التعصب واستحالته إلى حالة عدائية مفرطة.

ليس الكره وحده من يحرك هذه المشاعر، فحتى الميل المفرط لفريق كاف لاشعال فتيل الصراع بين الفرق، فما أن يفيض هذا الحب وينمهر في صورة مبالغة حتى يرفع من قابلية الخصومة مع الآخر، هو ذاته ما يعرف ب"الشعور المفرط بالأناقة" والذي يحاول من خلاله الواحد منا جعل مسافة بينه وبين الآخرين، وتوهم أفضلية له فوقهم، وبالتالي يفتح باب الخيالات والتوهمات حول الذات والآخر.

أرى بأن التعصب واقع لا مفر منه، في الرياضة وخارجها، والمسألة المراد التعاطي معها هي كيفية إدارة التعصب وليس إلغائه بالتمام، أن نقننه لنحافظ على الوجه الإيجابي منه، ونطرد احتمالات تحوله إلى أداة محرضة على استدعاء شهوة التبخيس من قيمة الآخرين، حتى لا نصبح يوما على خسارات اجتماعية وثقافية واقتصادية بسبب لقطة من لقطات التعصب الرياضية المألوفة.

ما حدث من لقاء قبل أيام لنبذ التعصب بين أندية القطيف هو طرقة خجولة على باب المشكلة، حدث مهم بالطبع، وهو يذكرنا بمبادرات سابقة لنادي الصقر بالقصيم في عام 2017، وقبلها حملات شركة موبايلي على هامش ديربي الهلال والنصر في عام 2014، ومثلها مؤتمر التعصب الرياضي في عام 2018 بجامعة القصيم، وغيرها من المناسبات التي تحكي عن طبيعة القلق من تنامي مظاهر التعصب في الملاعب السعودية، وما يتبعها من ارتدادات اجتماعية وسلوكية داخل المجتمع.

لنادي الخليج الذي نظم اللقاء ذاكرة طويلة مع التعصب الرياضي، قد تكون كافية لتهبه النضج والمرونة والاتزان، يتذكر ناسه مواجهات الأمس بين جمهور الترجي وجمهور الخليج في الثمانينات على هامش مباريات كرة السلة وكرة القدم، والمواجهات مع جمهور الأهلي وجمهور الهلال في هوامش كرة اليد، أحداث وقصص محاها الوقت، وجرف آثارها النضج الرياضي..لا أحد يتمنى أن تتكرر تلك الصور في هذا المفصل الزمني الذي تشتد فيه صور التنافس بين فرق المنطقة، فمازال في الأذهان صورة الحمامة المذبوحة في لقاء الصفا ومضر، وطعنات السكاكين التي راح ضحيتها القتيل أسامة أبوعبدالله.

والحاصل أن اللقاء خطوة صغيرة على طريق طويل، وإذا لم تترجم إلى خطوات ومبادرات مستمرة سنبقى تحت وطأة الخطاب المتعصب، الذي وجد له اليوم متنفسا كبيرا في فضاءات التواصل، وسيبقى انفجار المشهد على حوادث مأساوية وخصومات اجتماعية احتمالا واردا على الدوام..وهذه الخطوات ينبغي أن تبدأ من خطاب الأندية والإعلام الرياضي قبل أن تذهب لمعالجة خطاب الجمهور، لأن الكثير من الخراب يبدأ من هناك.